روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

Translate

الأربعاء، 1 يونيو 2022

ماذا يأمرنا به الله تعالي في سورة الانسان؟

لأوامر العملية في القرآن من سورة الإنسان إلى سورة الغاشية

 

الأوامر العملية في سورة الإنسان

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾.

 

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً * وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً*وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾

••••

 

الأوامر العملية في سورة النازعات

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾.

••••

 

الأوامر العملية في سورة التكوير

﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾.

••••

 

الأوامر العملية في سورة الانفطار

﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾.

••••

 

الأوامر العملية في سورة المطففين

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.

••••

 

الأوامر العملية في سورة الأعلى

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾.

••••

 

الأوامر العملية في سورة الغاشية

﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾.

 

 

تفسير الزركشي لسورة الانسان

 

ومن الالوكة بنسق مختلف
 تفسير الزركشي لآيات من سورة الإنسان 

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1

قال رحمه الله: قد تأتي "هل" بمعنى "قد" كقوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1]، وذكر بعضهم أن "هل" تأتي للتقرير والإثبات، كقوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ﴾ [الإنسان: 1]، على القول بأن المراد آدم، فإنه توبيخ لمن ادعى ذلك[1]. 

﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]

 

قوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ﴾ [الإنسان: 1، 2] ولم يقل: "خلقناه"؛ للتنبيه على عظم خلقه للإنسان[2]. 

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3

قال رحمه الله: اختلف في قوله تعالى: ﴿ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾، فقال البصريون للتخيير، فانتصاب "شاكرًا" و"كفورًا" على الحال

وقيل: التخيير -هنا- راجع إلى إخبار الله بأنه يفعل ما يشاء

وقيل: حال مقيّدة، أي إما أن تجد عندهما الشكر، فهو علامة السعادة، أو الكفر فهو علامة الشقاوة، فعلى هذا تكون للتفصيل

وأجاز الكوفيون أن تكون –هاهنا- شرطية، أي إن شكر وإن كفر

قال مكِّي[3]: وهذا ممنوع؛ لأن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن تُضمر بعد "إن" فعلاً، كقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾ [4]، ولا يجب إضماره هنا؛ لأنه يلزم رفع "شاكر" بذلك الفعل[5]. 

ورد عليه ابن الشجري، بأن النحويين يضمرون بعد "إن" الشرطية فعلاً يفسره ما بعده من لفظه، فيرتفع الاسم بعد أن يكون فاعلاً لذلك المضمر، كقوله تعالى: ﴿ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ﴾[6]، ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ ﴾[7]، كذلك يُضمرون بعده أفعالاً تنصب الاسم، بأنه مفعول به، كقولك: إن زيدًا أكرمتَه نفعك، أي إن أكرمت[8]. 

﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإنسان: 6]

 

قوله تعالى: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ﴾، فضمن "يشرب" معنى "يروي"؛ لأنه لا يتعدى بالباء، فلذلك دخلت الباء، وإلا فـ"يشرب" يتعدى بنفسه، فأريد باللفظ الشرب والري معًا، فجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد

وقيل: التجوّز في الحرف، وهو الباء، فإنها بمعنى "من". 

وقيل: لا مجاز أصلاً، بل العين –هاهنا- إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء، لا إلى الماء نفسه، نحو نزلت بعينٍ، فصار كقوله: مكانًا يشرب به[9]. 

قوله تعالى: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ﴾، أي يروى بها[10]. 

والباء للتبعيض كـ "من" نحو: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ﴾ أي منها[11].  

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8

قوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾، فالحب في الظاهر مضاف إلى الطعام، وهو في الحقيقة لصاحبهما[12]. 

قوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ ، التتميم في قوله: ﴿ عَلَى حُبِّهِ ﴾ ، جعل "الهاء"كناية عن الطعام مع اشتهائه[13].

 

 

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الفاتحة: 9].

 

قوله تعالى: ﴿ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾، فإنه ليس المراد الجمع هنا، بل المراد: لا نريد منكم شكرًا أصلاً، وهذا أبلغ في قصد الإخلاص في نفي الأنواع.

 

 

وزعم السهيلي أنه جمع "شكر"[14]، وليس كذلك لفوات هذا المعنى[15].

 

 

 

﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴾ [الإنسان: 14]

 

قوله تعالى: ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا ﴾، أي وجنة دانية[16].

 

 

﴿ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ﴾ [الإنسان: 16].

 

قال الفارسي في قوله تعالى: ﴿ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ﴾ [17]، أي كأنها في بياضها من فضة، فهو على التشبيه لا على أن القوارير من فضة، بدليل قوله: ﴿ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ ﴾ [18]، فقوله: ﴿ بَيْضَاءَ ﴾ مثل قوله: ﴿ مِنْ فِضَّةٍ ﴾ [19].

 

 

قوله تعالى: ﴿ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ ﴾، يعني تلك الأواني ليس من الزجاج ولا من الفضة، بل في صفاء القارورة وبياض الفضة[20].

 

 

﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴾ [الإنسان: 19]

 

قوله تعالى: ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾، أي مُقَرّطون تجعل في آذانهم القِرَطة، والحلق الذي في الأذن يسمى قُرْطًا وخَلَدة، والسامع يتوهم أنه من الخلود[21].

 

 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20]

 

قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾، لم يُرَد به مخاطب معيّن، بل عُبِّر بالخطاب ليحصل لكل واحد فيه مدخل، مبالغةً فيما قصد الله من وصف ما في ذلك المكان من النعيم والملك، ولبناء الكلام في الموضعين على العموم لم يجعل لـ: "ترى" ولا لـ: "رأيت" مفعولاً ظاهرًا ولا مقدرًا ليشيع ويعم[22].

 

قال رحمه الله: "ثم" ظرف للبعيد بمعنى "قال" تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ ﴾ [23].

 

فائدة: قال بعضهم: وقد تجيء "ما" مضمرة، كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ ﴾، أي ما ثم[24].

 

 

﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾ [الإنسان: 21]

 

قال رحمه الله: الفرق بين "أسقى" و"سقى" بغير همز، لما لا كلفة معه في السقيا، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾، فأخبر أن السقيا في الآخرة لا يقع فيها كلفة، بل جميع ما يقع فيها من الملاذ يقع فرصة وعفوًا، بخلاف "أسقى" بالهمزة فإنه لا بد فيه من الكلفة بالنسبة للمخاطبين، كقوله تعالى: ﴿ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴾ [25]، ﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [26]؛ لأن الإسقاء في الدنيا لا يخلو من الكلفة أبدًا[27].

 

 

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 24]

 

قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾، أي: ولا كفورًا، والطريقة أن يردّ النهي منه إلى الأمر، فنقول معنى: "أطع هذا أو هذا" أطع أحدهما، وعلى هذا معناه في النهي: ولا تطع واحدًا منهما[28].

 

 

قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾، فليس المراد منه النهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر، بل النهي عن طاعتهما مفردين أو مجتمعين، وإنما ذكرت "أو" لئلا يتوهم أن النهي عن طاعة من اجتمع فيه الوصفان.

 

 

وقال ابن الحاجب: استشكل قوم وقوع "أو" في النهي في هذه الآية، فإنه لو انتهى عن أحدهما لم يمتثل، ولا يعد ممتثلاً إلا بالانتهاء عنهما جميعًا!

 

 

فقيل: إنها بمعنى "الواو"، والأولى أنها على بابها، وإنما جاء التعيين فيها من القرينة؛ لأن المعنى قبل وجود النهي: "تطيع آثما أو كفورًا"، أي واحدًا منهما، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتًا في المعنى، فيصير المعنى: "ولا تطع واحدًا منهما"، فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي الداخل، وهي على بابها فيما ذكرناه؛ لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهيَ عنهما، بخلاف الإثبات، فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر.

 

 

قال: فهذا معنى دقيق يُعْلَم منه أن "أو" في الآية على بابها، وأن التعميم لم يجئ منها، وإنما جاء من جهة المضموم إليها[29]، انتهى.

 

 

ومن هذا -وإن كان خبرًا- قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [30]؛ لأن الميراث لا يكون إلا بعد إنفاذ الوصية والدَّين، وُجِد أحدهما أو وجدا معًا.

 

 

وقال أبو البقاء في "اللباب": إن اتصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند النحويين، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾، ولو جمع بينهما لفُعل المنهي عنه مرتين، لأن كل واحد منهما أحدهما[31].

 

 

وقال في موضع آخر: مذهب سيبويه[32] أن "أو" في النهي نقيضية "أو" في الإباحة، فقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، إذْنٌ في مجالستهما ومجالسة من شاء منهما، فضدّه في النهي: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ أي لا تطع هذا ولا هذا، والمعنى: لا تطع أحدهما، ومن أطاع منهما كان أحدهما، فمن –هاهنا- كان نهيا ًعن كل واحد منهما، ولو جاء بالواو في الموضعين أو أحدهما لأوهم الجمع.

 

 

وقيل: "أو" بمعنى الواو؛ لأنه لو انتهى عن أحدهما لم يعد ممتثلاً بالانتهاء عنهما جميعًا.

 

قال الخطيبي[33]: والأوْلى أنها على بابها، وإنما جاء التعميم فيها من النهي الذي فيه معنى النفي، والنكرة في سياق النفي تعم؛ لأن المعنى قبل وجود النهي: "تطيع آثمًا أو كفورًا"، أي واحدًا منهما، فالتعميم فيهما، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتًا، فالمعنى: لا تطع واحدًا منهما، فسمّى التعميم فيهما من جهة النهي، وهي على بابها فيما ذكرناه؛ لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهيَ عنهما، بخلاف الإثبات فإنه قد ينتهي عن أحدهما دون الآخر[34].

 

 

﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ﴾ [الإنسان: 28]

 

قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ﴾، فقد أشكل دخول "إذا" على غير الواقع، وأجيب بأن التبديل محتمل وجهين:

 

أحدهما: إعادتهم في الآخرة؛ لأنهم أنكروا البعث.

 

الثاني: إهلاكهم في الدنيا وتبديل أمثالهم، فيكون كقوله: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ [35]، فإن كان المراد في الدنيا، وجب أن يجعل هذا بمعنى "إن" الشرطية؛ لأن هذا شيء لم يكن، فهي مكان "إن"؛ لأن الشرط يمكن أن يكون وألّا يكون، ألا ترى إلى ظهورها في قوله تعالى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ [36]، ﴿ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ﴾ [37]، وإنما أجاز لــ"إذا" أن تقع موقع "إن" لما بينهما من التداخل والتشابه.

 

 

وقال ابن الجويني[38]: "الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقّن والمشكوك؛ لأنها ظرف وشرط، فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك، كـ "إن"، وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقّن كسائر الظروف".

 

 

وإنما اشترط فيما تدخل عليه "إن" أن يكون مشكوكًا فيه؛ لأنها تفيد الحث على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء، ويمتنع فيه لامتناع الجزاء، وإنما يُحَث على فعل ما يجوز ألّا يقع، أما ما لا بد من وقوعه فلا يحثُّ عليه، وإنما امتنع دخول "إذا" على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية؛ لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود الشرط، والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود شرط فيه ليس بالتزام.

 

 

ولما كان الفعل بعد "إن" مجزومًا به يستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه، فيغلب لفظ الماضي، كقوله: ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ [39]، فجيء بـ "إذا" في جانب الحسنة، وبـ "إن" في جانب السيئة؛ لأن المراد بالحسنة جنس الحسنة، ولهذا عرِّفت، وحصول الحسنة المطلقة مقطوع به، فاقتضت البلاغة التعبير بـ"إذا"، وجيء بـ"إن" في جانب السيئة؛ لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة، كالمرض بالنسبة إلى الصحة والخوف بالنسبة إلى الأمن[40].

 

 

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان: 30]

 

قال رحمه الله: استنبط بعض المتكلمين أن الله خالق لأفعال العباد، من قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ مع قوله تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [41]، فإذا ثبت أنه يخلق ما يشاء، وأن مشيئة العبد لا تحصل إلا إذا شاء الله، أنتج أنه تعالى خالق لمشيئة العبد[42].

 

[1] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - هل 4/ 263.

 

[2] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - تعظيم الأمر 2/ 302.

 

[3] مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسي النحوي المقرئ، صاحب الإعراب، ولد في شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وأصله من القيروان، وسكن قرطبة، وسمع بمكة ومصر من أبي الطيّب عبد المنعم بن غلبون، وقرأ عليه القرآن؛ وكان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخُلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف، مجوِّدا للقرآن، أقرأ بجامع قرطبة، وخطب به؛ وانتفع به جمع، وعظم اسمه، صنّف: "إعراب القرآن"، "الموجز في القراءات"، "التبصرة"، "الهداية في التفسير"، "الوقف على كلا"، وأشياء كثيرة في القراءات، مات في المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. (بغية الوعاة 2/ 298 رقم الترجمة (2018).

 

[4] سورة التوبة: 6.

 

[5] مشكل إعراب القرآن، لمكي القيسي، دار المأمون للتراث – دمشق، ج/ 2 ص/ 435.

 

[6] سورة النساء: 176.

 

[7] سورة النساء: 128.

 

[8] أمالي ابن الشجري 3/ 129. البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - إما 4/ 154.

 

[9] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التضمين 3/ 211.

 

[10] المصدر السابق: التضمين 3/ 214.

 

[11] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - الباء4/ 162.

 

[12] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل له في الحقيقة 2/ 181.

 

[13] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التتميم 3/ 47.

 

[14] نتاج الفكر في النحو للسهيلي، ص/ 279، باب ما يؤكد من الأفعال بالمصادر وما لا يؤكد.

 

[15] البرهان: بيان حقيقته ومجازه - إقامة صيغة مقام أخرى 2/ 178

 

[16] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الموصوف 3/ 101.

 

[17] سورة الإنسان: 15-16.

 

[18] سورة الصافات: 45-46.

 

[19] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - أقسام التشبيه 3/ 257.

 

[20] المصدر السابق: أقسام التشبيه 3/ 272.

 

[21] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التورية 3/ 273.

 

[22] البرهان: وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن - خطاب الخاص والمراد به العموم 2/ 138.

 

[23] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - ثَمّ 4/ 169.

 

[24] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - ما الاسمية 4/ 246.

 

[25] سورة المرسلات: 27.

 

[26] سورة الجن: 16.

 

[27] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - مشاكلة اللفظ المعنى 3/ 238.

 

[28] البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - الأمور التي تعين على المعنى عند الإشكال 2/ 126.

 

[29] الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب، دار سعد الدين - دمشق، ط/ 1 ت/ 1425هـ - 2005م، ج/ 2 ص/ 201-202.

 

[30] سورة النساء: 11.

 

[31] اللباب في علل البناء والإعراب، لأبي البقاء العكبري، دار الفكر - دمشق، ط/ 1 ت/ 1416هـ - 1995م، ج/ 1 ص/ 423.

 

[32] الكتاب لسيبويه 3/ 184.

 

[33] هو محمد بن مظفر الخطيبي الخلخالي شمس الدين، كان إمامًا في العلوم العقلية والنقلية، وله التصانيف المشهورة، كـ"شرح المصابيح"، و"شرح المختصر"، و"شرح المفتاح"، و"شرح التلخيص"، مات سنة خمس وأربعين وسبعمائة. (بغية الوعاة 1/ 247 رقم الترجمة (454).

 

[34] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات – أو 4/ 135 – 136.

 

[35] سورة النساء: 133.

 

[36] سورة النساء: 133.

 

[37] سورة سبأ: 9.

 

[38] أشار د. يوسف المرعشلي في تحقيق كتاب "البرهان" أن العبارة تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى "ابن الجويني" والصحيح هو "ابن الخويي"، انظر البرهان 4/ 179، وابن الخويي هو: ناصر بن أحمد بن بكر الخُوَيِّي النحويّ، أبو القاسم، قرأ العربية على أبي طاهر الشيرازي، والفقه على الشيخ أبي إسحاق صاحب التنبيه، وروى عن أبي الحسين بن النقور وأبي القاسم بن البسري، وكان شيخ الأدب في ديار أذربيجان بلا مدافعة، ولي قضاء بلده مدّة، ورحل إليه الناس، وصنّف شرح اللمع وغيره، مات في ربيع الآخر سنة سبع وخمسمائة. (بغية الوعاة 2/ 310 رقم الترجمة (2053).

 

[39] سورة الأعراف: 131.

 

[40] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات – إذا 4/ 128.

 

[41] سورة القصص: 68.

 

[42] البرهان: معرفة أحكامه 2/ 7

 

=

 

=

 

ماذا يأمرنا به الله تعالي في سورة الانسان؟

لأوامر العملية في القرآن من سورة الإنسان إلى سورة الغاشية   الأوامر العملية في سورة الإنسان ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْ...